خطورة اليأس في أوقات المحن

 

د.خالد حنفي

مع طول أمد الحرب في غزة وتضاعف أعداد القتلى والجرحى من المدنيين والأطفال يتضاعف الشعور لدى كثير من الناس بالقهر والعجز عن فعل شيء لاستنقاذ المظلومين والمستضعفين، ويستصغر المرء قليل ما في يده من العمل فيتوقف عنه بسبب يأسه وإحباطه، فيقول أحدهم: هل تحل قضية فلسطين بالدعاء، أو بالتظاهر السلمي، أو بتغيير صورة البروفايل، أو بالمقاطعة، أو بإرسال الطعام ليموت الأطفال وقد شبعوا بدلا من أن يموتوا وهم جوعى؟ والنتيجة هي التوقف عن كل الواجبات الشعبية المهمة والتي تبقي القضية حية حاضرة في أذهان الناس وتعرف العالم بحقيقة قضية فلسطين العادلة وجرائم الاحتلال، ولو فكر فريق المثبطين والمخذلين قليلا وسألوا أنفسهم: لو كانت هذه الواجبات العملية السلمية غير مؤثرة ولا أهمية لها فلماذا تمنع؛ حيث قيدت الحسابات والمنشورات المتعلقة بفلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنعت التظاهرات حتى في بعض البلدان الأوروبية؟ وقد شاهدت امرأة تقول: أمنيتي الوحيدة الآن أن تقوم القيامة!! في لحظة يأس تام من الحياة والمستقبل.

وأسوأ ما يمكن أن يصاب به المرء في أوقات المحن هو اليأس والإحباط خاصة إذا صار جماعيا وعاشه المجتمع كله، والهزيمة النفسية هي أهم نتيجة يسعى لها العدو في أوقات الحروب والأزمات، لهذا أنشئت حديثا أسلحة التوجيه المعنوي والتي تعمل على رفع معنويات الجنود واتخذا التدابير والخطط التي تهزم عدوهم وشعبه نفسيا ومعنويا، وقديما كانت المرأة تخرج في الحروب لتحمس الرجال وتحثهم على عدم الفرار من أمام عدوهم كما أنشدت هند بنت عتبة في الحرب قائلة:

إن تقبلوا نعانق .. ونفرش النمارق

أو تدبروا نفارق .. فراق غير وامق

لهذا فإن من أولويات تلك المرحلة العصيبة التي تمر بها أمتنا نبذ الإحباط واليأس والتحلي بالصبر والأمل، والاستمرار في المرابطة والعمل بالمباح والمتاح والممكن للفرد والجماعة كل حسب ظرفه وإمكانه، فيسع الجماعة ما لا يسع الفرد، ويسع الحكومات والدول ما لا يسع الأقليات الهشة الضعيفة، والمتمسك بالأمل المنتظم في العمل هو المنتصر في نهاية المعركة كما يقول: ديل كارنيجي صاحب الكتاب الشهير دع القلق وأبدأ الحياة: "تتحقق الكثير من الأشياء المهمة في هذا العالم لأولئك الذين أصروا على المحاولة بالرغم من عدم وجود الأمل" ومما يعين على الخلاص من اليأس والإحباط ما يلي:

  • رفع منسوب الإيمان في القلوب:

لا يحصل اليأس إلا مع ضعف الإيمان، ولو صدق المسلمون في نصرتهم لفلسطين لامتلأت المساجد بالمصلين خاصة في صلاة الفجر، فأهم ما يرفع اليأس والإحباط هو الصلاة قال تعالى: ﴿إن الإنسان خلق ‌هلوعا (١٩) إذا مسه الشر جزوعا (٢٠) وإذا مسه الخير منوعا (٢١) إلا المصلين (٢٢) الذين هم على صلاتهم دائمون﴾ [المعارج: 19-23] وقد كان النبي صلى الله عليه إذا حزبه أمر ــ أي أصابه هم أو غم ـــ فزع إلى الصلاة، وكان يقول لبلال: أرحنا بها. والقرآن الكريم يوجهنا إلى التربية الروحية والإكثار من التسبيح والسجود كلما ضاقت صدورنا وألم بنا الهم واستبد بنا الخوف فيقول تعالى مخاطبا نبيه: ﴿ولقد نعلم أنك ‌يضيق صدرك بما يقولون (٩٧) فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين (٩٨) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين (٩٩)﴾ [الحجر: 97-99].

  • اليقين في موعود الله:

قال تعالى: ﴿ولقد ‌سبقت ‌كلمتنا لعبادنا المرسلين (١٧١) إنهم لهم المنصورون (١٧٢) وإن جندنا لهم الغالبون﴾ [الصافات: 171-173] وقال تعالى: ﴿ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا ‌وكان ‌حقا ‌علينا ‌نصر المؤمنين﴾ [الروم: 47]، وقال تعالى: ﴿كتب الله ‌لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز﴾ [المجادلة: 21]، فمن ذا الذي يستطيع تبديل هذا الكتاب أو إخلاف هذا الوعد، وكيف ييأس من يؤمن بهذا الوعد في هذا الكتاب؟.

  • الظلم مهلك فكيف إذا اجتمع مع الكفر؟:

قال تعالى: ﴿وكذلك ‌أخذ ‌ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد﴾ [هود: 102] وقال ابن تيمية: "الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام" فكيف إذا اجتمع منتهى الظلم مع الكفر؟!!

  • الأخذ بالأسباب حسب الوسع والطاقة:

فسيدنا يعقوب عليه السلام أصابه الحزن والكمد على فقد اثنين من أبنائه حتى فقد بصره، وقال الله تعالى حكاية عنه: ﴿ قال إنما أشكو ‌بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون﴾ [يوسف: 86]، ولكنه لم يستسلم لليأس ويدعو أولاده للأخذ بالأسباب والبحث عن يوسف وأخيه ويحذرهم من الإحباط واليأس فيقول لهم: ﴿يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون﴾ [يوسف: 87]، فعلينا أن نبذل الأسباب الداخلة تحت أيدينا وهي كثيرة جدا لنصرة إخواننا ودفع الأذى عنهم وأن نحذر من الوقوع في دائرة المثبطين والمخذلين من حيث لا ندري، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.